صلاة قيام الليل ؟
من طرف عبدالناصر خليفه اليوم في 12:58 pm
+
----
-
السلام عليكم
كثيرًا ما نسمع بقيام اللَّيل والوتْر والشَّفع، وكثيرًا ما يتكلَّم عنها الدُّعاة والعلماء، لكن ما هي كيفيَّتها وما أنواعُها؟ وعدد ركعاتها وسننها وأيسرها؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإنَّ قيام الليل دأب الصَّالحين، وطريقة الموفَّقين الطَّائعين، وسنَّة الموحدين أتْباع خاتم الأنبياء وإمام المرسلين، وهو شرَف المؤمِن؛ كما قاله جبريل لسيِّد الثَّقلين أجمعين، وقد جرت عادةُ الله في خلقِه بإحْياء قلْبِ مَن صلاَّها، وإنارة بصيرةِ مَن أحْياها، وقد تكاثرت الأدلَّة من الكتاب والسنَّة على عظيم فضْلِ صاحبِها؛ كما قال تعالى: ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9]، وقال - تعالى - في بيان صفة المؤمنين: ﴿ إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 15 - 17].
وقال - سبحانه - في بيان صِفات عباده، عباد الرحمن: ﴿ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ﴾ إلى قوله تعالى: ﴿ أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا ﴾ [الفرقان: 64 - 76].
وثبت عند الترمذي عن عبدالله بن سلام - رضي الله عنْه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((أيُّها النَّاس، أفْشوا السَّلام، وأطْعِموا الطَّعام، وصلُّوا باللَّيل والنَّاس نيام - تدخلوا الجنَّة بسلام))، وروى أحمد ومسلمٌ عن أبي هُريرة - رضِي الله عنْه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((أفضل الصِّيام بعد رمضان شهر الله المحرَّم، وأفضل الصَّلاة بعد الفريضة صلاة اللَّيل))، وروى أبو داودَ والترْمِذي عن عمرو بن عبسة: أنَّه سمِع النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((أقربُ ما يكون الرَّبُّ من العبدِ في جوْفِ اللَّيل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممَّن يذكر الله في تلك الساعة، فكُنْ))، وعن أبي أمامة مرفوعًا: ((عليْكم بقيام الليل؛ فإنَّه دأب الصالحين قبلَكم، وهو قُربةٌ إلى ربِّكم، ومكفِّرة للسيِّئات، ومنهاة للإثم))، وعَنْ عَلِيٍّ مرفوعًا: ((إنَّ في الجنَّة غرفًا تُرى ظهورها من بطونها، وبطونُها من ظهورها))، فقام أعرابي فقال: لمن هي يا رسول الله؟ قال: ((لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصِّيام، وصلَّى لله باللَّيل والنَّاس نيام))؛ رواهما الترمذي، وحسَّنهما الألباني.www.3bly.net
وقد رغَّب النبيُّ في قيام الليل وحثَّ عليه، ولو بما تيسَّر قراءتُه، كما روى أبو داود عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن قام بعشْر آياتٍ، لَم يُكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آيةٍ، كُتِب من القانتين، ومن قام بألف آيةٍ، كتِبَ من المقنطرين)).
أما كيفيَّة قيام اللَّيل، فتصلِّي ما شاء الله لكَ أن تصلي، ركعتين ركعتَين بتشهُّدٍ وسلام، وهكذا؛ كما في "الصَّحيحين" عن ابن عمر قال: سأل رجلٌ النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - وهو على المنبر: ما ترى في صلاة اللَّيل؟ قال: ((مثنى مثنى، فإذا خشي الصبح، صلَّى واحدة، فأوْتَرت له ما صلَّى))، وفي روايةٍ عند مسلم، عن طريق عقبة بن حريث قال: قلت لابن عمر: ما معنى: "مثنى مثنى"؟ قال: "تسلِّم من كل ركعتين".
وفي "الصَّحيحَين" أيضًا عن عائشة - واللفظ للبُخاري -: "كان - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يصلِّي إحْدَى عشرة ركعةً، كانت تلك صلاته – يعني: بالليل - فيسجد السَّجدة من ذلك قدْر ما يقرأ أحدُكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه، ويركع ركعتين قبل صلاة الفجر، ثم يضطجِع على شقِّه الأيمن حتَّى يأتيه المؤذن للصَّلاة"، وزاد مسلم وغيرُهُما: "يسلم بين كلِّ ركعتين".
وفيهما عنِ ابْنِ عبَّاس - رضِي الله عنْهُما - لمَّا بات عند خالتِه ميمونة، ثُمَّ ذكر صِفَة قيام النَّبيِّ قال: "... ثمَّ صلَّى ركعتين ثمَّ ركعتين، ثمَّ ركعتينِ ثمَّ ركعتينِ، ثمَّ ركعتينِ ثمَّ ركعتينِ، ثمَّ أوْتر، ثمَّ اضطجع حتَّى جاءه المؤذِّن، فقام فصلَّى ركعتين، ثم خرج فصلَّى الصبح".
أمَّا عدد ركعات القيام، فالأفضل أن تكون إحْدى عشْرَةَ ركعةً، أو ثلاثَ عشرة، وهو قيام النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالليل، فإنَّه ثبت عنْه هذا وهذا؛ كما في حديثي عائشةَ وابْنِ عبَّاس السابقين، ويفتتِح القيام بركعتين خفيفتين، كما روت عائشةُ - رضِي الله عنْها - قالت: "كان رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - إذا قام من اللَّيل، افتتح صلاتَه بركعتيْنِ خفيفتَين"، وأمر بذلك في حديث أبي هريرة - رضِي الله عنْه - قال: ((إذا قام أحدُكُم من اللَّيل، فليفتتِحْ صلاتَه بركعتينِ خفيفتين))؛ رواهما مسلم.
أمَّا صفة الوتْر وأنواعِه، فيوتر بركعةٍ، وثلاثٍ، وخمسٍ، وسبعٍ، وتسعٍ، وغير ذلك؛ فعن أبي أيوب مرفوعًا: ((الوتر حق، فمَن شاء أوْتَر بخمسٍ، ومن شاء بثلاثٍ، ومن شاء بواحدة))؛ رواه أبو داود والنَّسائي.
أمَّا الوتر بركعة، فقد سبق في حديثِ ابن عمر، وعن ابن عبَّاس مرفوعًا: ((الوتر ركعةٌ من آخر الليل))؛ رواه مسلم، وفي "الصَّحيحين" عن عائشة - رضِي الله عنْها -: "كان النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يصلِّي باللَّيل إحْدى عشرةَ ركعةً، يوتر منها بواحدةٍ".
أمَّا الوتر بثلاثٍ، فله صَلاتُها متَّصلات بتشهُّد واحد؛ فقد روى الحاكم عن عائشةَ: "أنَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يوتر بثلاثٍ لا يَقعُد إلا في آخِرِهنَّ"، وروى النَّسائي من حديث أُبَي بن كعب مرفوعًا: ((يوتر بسبِّح اسم ربك الأعلى، وقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد، ولا يسلِّم إلاَّ في آخِرهن))، وهو الثَّابت من فعل السَّلف، كما رواه محمَّد بن نصر؛ كما في "الفتح" عن ابنِ عمر والمسْوَر بن مخرمة: "أنَّ عمر أوْتَر بثلاثٍ لَم يسلِّم إلاَّ في آخِرِهنَّ".
كما أنَّ له أن يصلِّيَهما ركعتين - الشَّفع - وركعة - الوتر - ولكن ينوي وترًا من أوَّل الصَّلاة؛ لحديث ابن عمر - رضِي الله عنْه - قال: "كان رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يفصل بين الشَّفع والوتر بتسليمةٍ يُسْمِعناها"، ورواه الطَّحاوي عنْه: أنَّه كان يَفصل بين شفعِه ووترِه بتسليمة، وأخبر أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يفعله.
أمَّا الوتر بخَمْس أو سبعٍ بتشهُّد واحد، فعن عائشة - رضِي الله عنْها - قالت: "كان رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يصلِّي من اللَّيل ثلاثَ عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس، ولا يجلسُ في شيء منهنَّ إلاَّ في آخرهنَّ"؛ متَّفق عليه.
وعن أم سلمة - رضِي الله عنْها - قالت: "كان رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يوتِر بسبعٍ وبخمسٍ لا يفصِلُ بينهنَّ بسلامٍ ولا بكلام"؛ رواه أحمدُ والنَّسائيُّ وابن ماجه.
أمَّا الوتر بتِسْعِ ركعات، لا يجلس في شيءٍ منهنَّ إلاَّ في الثَّامنة، يتشهَّد ثُمَّ يصلِّي التَّاسعة، ويتشهَّد ويسلِّم، فعن عائشة - رضِي الله عنْها - قالت: "كنَّا نعدُّ لرسولِ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - سواكه وطهورَه، فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه من الليل، فيتسوَّك ويتوضَّأ، ويصلِّي تسع ركَعَات لا يجلسُ فيها إلاَّ في الثَّامنة، فيذْكُر الله ويحمَده، ويدعوه، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يقوم فيصلِّي التَّاسعة ثم يقعد، فيذكر الله يحمَدُه ويدعوه، ثم يسلِّم تسليمًا يُسْمِعنا، ثم يصلِّي ركعتين بعدما يسلِّم" الحديثَ؛ رواه مسلم.
هذا، وليُعلم أنَّه ليْست هناك سنَّة مستقلَّة تسمَّى صلاة الشَّفع كما يعتقِدُه كثيرٌ من النَّاس، وإنَّما مَن أوتِر بثلاثِ ركَعَات منفصِلات - ركعتين وركعة - سُمِّيت الرَّكعتان شفعًا، والوتر ركعة واحدة، ولكن ينوي الوتْر قُبيل تكبيرة الإحرام للثلاث،، والله أعلم.
اهمية قيام الليل
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" قال: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له). رواه البخاري ومالك ومسلم والترمذي وغيرهم.
وفي رواية مسلم: (أن الله يمهل حتى إذا ذهب الثلث الأول من الليل نزل إلى سماء الدنيا فيقول أنا الملك فمن الذي يدعوني).
ـ وعن عمرو بن عنبسة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله "صلى الله عليه وسلم" يقول: (أقرب ما يكون الرب عز وجل من العبد في جوف الليل، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن) رواه أبو داود والترمذي واللفظ له وقال حديث حسن صحيح والحاكم على شرط مسلم.
ـ عن أبي أمامة قال: قيل يا رسول الله أي الدعاء أسمع؟.. قال (جوف الليل الأخير ودبر الصلوات) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
ـ عن بلال رضي الله عنه قال: قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": (عليكم بقيام الليل ، فإنه دأب الصالحين قبلكم , وقربة إلى الله تعالى , ومنهاة عن الإثم ، وتكفير للسيئات ، ومطردة للداء عن الجسد). أخرجه الترمذي.
ـ وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه فقيل له: قد غُفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر.. قال: (أفلا أكون عبدا شكورا). أخرجه الخمسة إلا أبا داود.
ـ عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله "صلى الله عليه وسلم" لا يدع قيام الليل ، وكان إذا مرض أو كسل صلى قاعدا). أخرجه أبو داود.
ـ وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل ، فقيل: ما زال نائما حتى أصبح، ما قام إلى الصلاة، فقال: (ذلك رجل بال الشيطان في أذنه).أخرجه الشيخان والنسائي.
ـ وفي حديث ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي بالليل) , فكان يداوم بعده على قيام الليل .. قال نافع مولاه: (كان يصلي بالليل فيقول يا نافع أسحرنا؟ فأقول لا , ثم يقول يا نافع أسحرنا؟ فأقول نعم فيقعد ويستغفر الله تعالى حتى يطلع الفجر) .. أسحرنا: دخلنا في وقت السحر والظاهر أن ذلك بعد أن كبر وكف بصره رضي الله عنه.
ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل). رواه مسلم.
ـ وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": (من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين) رواه ابو داود.
وله في رواية أخرى عن عبد الله بن حبيش قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال افضل؟ .. قال: (طول القيام).
ـ وعن عائشة رضي الله عنها: (كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل عشر ركعات ويوتر بسجدة ويركع بركعتي الفجر فتلك ثلاث عشرة ركعة).. أخرجه الستة وهذا لفظ مسلم.
ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين) أخرجه مسلم وأبو داود وزاد أبو داود: (ثم ليطول بعد ذلك ما شاء).
الفاتحة لجميع موتى المسلمين امين