زواج النبى صلى الله عليه وسلم من ام المؤمنين خديجة
+2
محمد عبد الفتاح
سينا
6 مشترك
كاتب الموضوع
رسالة
سينا
عدد المساهمات : 2698 تاريخ التسجيل : 14/12/2011 الموقع : مصراوى سات
موضوع: زواج النبى صلى الله عليه وسلم من ام المؤمنين خديجة السبت 9 يونيو 2012 - 21:18
زواج النبى صلى الله عليه وسلم من ام المؤمنين خديجة رضى الله عنها
قال ابن إسحاق: وكانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال تستأجر الرجال في مالها وتضاربهم (تقارضهم) إياه بشيء تجعله لهم (أى يتاجرون في مالها نظير اجر) وكانت قريش قوما تجارا فلما بلغها عن رسول الله صلي الله عليه وسلم ما بلغها: من صدق حديثه وعظم أمانته وكرم أخلاقه، بعثت له فعرضت عليه أن يخرج فى مالها إلى الشام تاجرا وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار مع غلام لها يقال له ميسرة فقبله رسول الله صلي الله عليه وسلم منها وخرج في مالها ذلك وخرج معه غلامها ميسرة حتى قدم الشام. فنزل رسول الله صلي الله عليه وسلم في ظل شجرة قريبا من صومعة راهب من الرهبان فاطلع الراهب إلى ميسرة فقال له: من هذا الرجل الذي نزل تحت هذه الشجرة قال له ميسرة هذا الرجل من قريش من أهل الحرم فقال له الراهب ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي ثم باع رسول الله صلي الله عليه وسلم سلعته التي خرج بها واشترى ما أراد أن يشترى ثم أقبل قافلا إلي مكة ومعه ميسرة فكان ميسرة – فيما يزعمون – إذا كانت الهاجرة واشتد الحر يري ملكين يظلانه من الشمس وهو يسير علي بعيره فلما قدم مكة علي خديجة بمالها ضعفين وحدثها ميسرة عن قول الراهب وعما كان يري من إظلال الملكين إياه.
وكانت خديجة امرأة حازمة شريفة لبيبة مع ما أراد الله بها من كرامته – واجتمعت الدلائل والقرائن عند خديجة بان محمد هو الرحيق الذي يختم به الأنبياء فباتت ترجو أن تكون زوجا له ولكن أنيَ الطريق إلي ذلك؟
وفى غمرة حيرتها واضطرابها تدخل عليها صديقتها بنت منبه وتجلس معها تبادلها أطراف الحديث وكشفت خديجة السر الكامن بخاطرها وهدأتها نفيسة وطمأنت خاطرها وذكرتها بأنها ذات الحسب والنسب والمال والجمال واستدلت على صدق قولها بكثرة الطالبين لها من أشراف الرجال. وما إن خرجت نفيسة من عند خديجة حتى انطلقت إلى النبى صلي الله عليه وسلم وكلمته أن يتزوج الطاهرة خديجة وقالت يا محمد ما يمنعك أن تتزوج فقال عليه الصلاة والسلام "ما بيدى ما أتزوج به" قالت: فإن كُفيت ودُعيت إلى المال والجمال والشرف والكفاءة فهل تجيب؟ فرد متسائلا: ومن؟ قالت على الفور: خديجة بنت خويلد فقالت إن وافقت فقد قبلت .. وانطلقت نفيسة لتزف البشرى إلى خديجة وأخبر – عليه الصلاة والسلام – أعمامه برغبته فى الزواج من خديجة فذهب أبو طالب وحمزة وغيرهما إلى عم خديجة عمرو أبن أسد وخطبوا إليه أبنه أخيه وساقوا إليه الصداق.
فى ذلك المجلس اللطيف قام أبو طالب يخطب .. ذكر أبو العباس المبرد رحمه الله وغيره أن أبا طالب خطب فخطبة فقال: الحمد لله الذى جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل وضئضى - أصل – معد وعنصر مُضر وجعلنا حضنه بيته وَسواٌس حرمه وجعل لنا بيتا محجوباً وحرما آمنا وجعلنا الحكام على الناس ثم إن أبن أخى هذا محمد بن عبد الله لا يوزن برجل إلا رجح عليه برا وفضلا وشرفا وعقلا ومجدا ونبلا. – فإن كان فى المال قُل – قله – فإن المال ظل زائل وأمر حائل وعارية مسترجعه ومحمد مَن قد عرفتم قرابته وقد خطب خديجة بنت خويلد وبذل لها من آجله وعاجله من مالى عشرين بكرة ثم قال أبو طالب: وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطر جليل فزوجها.
ولما تم العقد نُحرت الذبائح ووزعت على الفقراء وفتحت دار خديجة للأهل – كانت الطاهرة خديجة رضى الله عنها بنت أربعين فى سن اكتمال الأمومة أما محمد صلي الله عليه وسلم ففى سن اكتمال الشباب أبن خمسة وعشرين سنة. وفى هذا الزواج المبارك كانت الطاهرة خديجة هى الزوجة الوفية فى حبها وهى الأم الرؤوم فى حنانها وعطفها وبرها رضى الله عنها.
ومن هذه الأحاديث ما توضح لنا منزلة خديجة رضى الله عنها عند الله عز وجل وعند رسول الله صلي الله عليه وسلم من هذه الأحاديث:
• عن ابن عباس قال: خط رسول الله صلي الله عليه وسلم فى الأرض أربعة خطوط قال: تدرون ما هذا؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية بنت مُزاحم إمراة فرعون ومريم إبنة عمران رضى الله عنهم أجمعين. • وعن الزهرى قال: لم يتزوج رسول الله صلي الله عليه وسلم على خديجة حتى ماتت. • وعن أنس قال جاء جبريل الى النبى صلي الله عليه وسلم وعنده خديجة فقال إن الله يقرىء خديجة السلام فقالت: إن الله هو السلام وعلى جبريل السلام وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. • وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال: أتى جبريل النبى صلي الله عليه وسلم هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب فإذا هى أتت فأقرأ عليها السلام من ربها ومنى وبشرها ببيت فى الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب.
وكانت الكعبة قد أوشكت على الإنهيار وكان ذلك قبل مبعث النبى صلي الله عليه وسلم على الراجح فاضطرت قريش إلى تجديد بنائها حرصا على مكانتها وأتفقوا على أن لا يدخلوا فى بنائها إلا طيبا وكانوا يهابون هدمها ولما رأوا إنه لم يصابوا بشىء واصلوا الهدم حتى وصلوا إلى قواعد إبراهيم وأخذوا يبنونها ولما بلغ البنيان موضع الحجر الأسود اختلفوا فيمن يمتاز شرف وضعه فى مكانه واستمر النزاع حتى كاد يتحول إلى حرب ضروس فى أرض الحرم إلا أنهم اتفقوا على أن يحتكموا إلى أول من يدخل عليهم من باب المسجد الحرام وشاء الله أن يكون ذلك رسول الله صلي الله عليه وسلم فلما رأوه هتفوا: هذا الأمين رضيناه هذا محمد فلما إنتهى إليهم وأخبروه الخبر طلب رداء فوضع الحجر فى وسطه وطلب من رؤساء القبائل المتنازعين أن يمسكوا جميعا بأطراف الرداء وأمرهم أن يرفعوه حتى إذا وصلوا إلى موضعه أخذه بيه فوضعه فى مكانه.
ولما تقاربت سنة الأربعين حُبب إليه الخلاء فقد كان صلي الله عليه وسلم يهجر مكة كل عام ليقضى شهر رمضان فى غار حراء وهو غار على مسافة بضعة أميال من القرية الصاخبة فى رأس جبل من هذه الجبال المشرفة على مكة والتى تتميز بالسكون الشامل وكان صلي الله عليه وسلم يأخذ زاد الليالى الطوال ثم ينقطع عن العالمين متجها بفؤاده إلى رب العالمين متعبدا متقربا حتى وصل من الصفاء إلى مرتبة عالية فأمسى لا يرى رؤية إلا جاءت كفلق الصبح.
عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: أُنزل على النبى صلي الله عليه وسلم وهو أبن أربعين وكان بمكة ثلاث عشر سنة وبالمدينة عشراً فمات وهو أبن ثلاث وستين – ومن حديث أبن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلي الله عليه وسلم قال لخديجة رضى الله عنها: "أنى أرى ضوءا وأسمع صوتا وإنى أخشى أن يكون بى جنون" قالت: (لم يكن الله ليفعل ذلك بك يا أبن عبد الله) ثم أتت ورقة بن نوفل فذكرت ذلك له فقال: (إن يكن صادقا فإن هذا ناموس مثل ناموس موسى فإن بُعث وأنا حى فسأعزره وأنصره وأؤمن به - {الناموس المقصود به صاحب الوحى وهو جبريل عليه السلام}).
وعن عائشة رضى الله عنها قالت: أول ما بدىء به رسول الله صلي الله عليه وسلم من الوحى الرؤيا الصادقة فى النوم وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح {ضياء الصبح الواضح البٌين} ثم حبب إليه الخلاء {الخلوة ليتفرغ لعبادة ربه وهى شأن الصالحين} وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه {وهو تعبد الليالى ذوات العدد} قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو فى غار حراء.
فجاءه الملك فقال: إقرأ قال: ما أنا بقارىء قال: فأخذنى فغطنى {عصرنى وضمنى} حتى بلغ منى الجهد {المشقة} ثم أرسلنى فقال: إقرأ قلت: ما أنا بقارىء فأخذنى فغطنى الثانية حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلنى فقال: إقرأ فقلت: ما أنا بقارىء فأخذنى فغطنى الثالثة ثم أرسلنى فقال: " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ "العلق 1-3. فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد فقال زملونى (غطونى بالثياب ولفونى بها) زملونى فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسى.
فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتحمل الكَلٌ (تنفق على الضعيف والكَل أى الثقل) وتكسب المعدوم (تعطى الناس ما لا يجدونه عند غيرك من مكارم الأخلاق) وتقرى الضيف وتعين على نوائب الحق (وإنك لا يصيبك مكروها لما جعل الله فيك من مكارم الأخلاق) فانطلقت به خديجة حتى أتت ورقه أبن نوفل أبن عمها وكان قد تنصر فى الجاهلية وقد كتب الأنجيل بالعربية وكان شيخا كبيرا قد عمى فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى فقال له ورقة: هذا الناموس الذى نزل الله على موسى يا ليتنى فيها جزعاً (الشاب القوى) ليتنى أكون حيا إذ يخرجك قومك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مخرجىٍ هم؟ قال نعم لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عُودىَ وإن يدركنى يومك أنصرك نصرا مؤزرا ثم لم ينشب ورقه أن توفى وفتر الوحى (تأخر نزوله).
وعن جندب بن عبد الله البجلى رضى الله عنه قال: أشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلة أو ليلتين أو ثلاثا فقالت إمرأة: ما أرى شيطانك إلا تركك فأنزل الله " وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى " الضحى 1-3". وعن جابر بن عبد الله الانصارى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عن فترة الوحى: "بينما أنا واقف فرفعت رأسى إلى السماء فإذا الملك الذى جاءنى بحراء جالس على كرسيه بين السماء والأرض قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئثت أى (ذعرت وخفت) منه فرقا فرجعت فقلت: "زملونى زملونى دثرونى فأنزل الله تعالى " يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ المدثر* وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ" 1-5" ثم تتابع الوحى.
لقد ذكر الإمام إبن القيم مراتب الوحى الذى كان يتنزل على النبى صلى الله عليه وسلم فقال: وكمل الله له من مراتب الوحى مراتب عديدة:
إحداهما: الرؤيا الصادقة وكانت مبدأ وحيه صلى الله عليه وسلم وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح. الثانية: أنه صلى الله عليه وسلم كان يتمثل له الملك رجلا فيخاطبه حتى يعى عنه ما يقول له وفى هذه المرتبة كان يراه الصحابة أحيانا.
ويروى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "يا عمر أتدرى من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم وعن ابن عمر: "كان جبريل يأتى النبى صلى الله عليه وسلم فى صورة دحيه الكلبى". الثالثة: إنه كان يأتيه فى مثل صلصلة الجرس وكان الوحى إذ أشتد على النبى صلى الله عليه وسلم كان جبينه يتفصد عرقا فى اليوم الشديد البرد. ومن حديث عائشة رضى الله عنها قالت: إن الحارث بن هشام سأل رسول صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحى؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أحيانا يأتينى مثل صلصلة الجرس وهو أشده علىٌ فيفصم عنى وقد وعيت ما قال وأحيانا يتمثل لى الملك رجلا فيكلمنى فأعى ما يقول " قالت عائشة "ولقد رأيته ينزل عليه الوحى فى اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا. وحتى أن راحلته لتبرك به إلى الأرض إذا ركبها – قالت عائشة رضى الله عنها إن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحى إليه وهو على ناقته وضعت جرانها فلم تستطع أن تتحرك. ولقد جاءه الوحى مرة كذلك وفخذه على فخذ زيد بن ثابت فثقلت عليه حتى كادت ترضها (تكسر). الرابعة: أنه يرى الملك فى صورته التى خُلق عليها فيوحى إليه ما شاء الله أن يوحيه وهذا وقع له مرتين كما ذكر الله تعالى ذلك فى سورة النجم " وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى " 7، 13 عن عائشة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "لم أره (يعنى جبريل) على صورته التى خُلق عليه غير هاتين المرتين رأيته منهبطا من السماء ساٌداً عظم خلقه ما بين السماء والأرض. وإن المرة الأولى كانت عند سؤاله إياه أن يريه صورته التى خُلق عليها والثانية عند المعراج. مرت الدعوة الإسلامية فى حياته عليه الصلاة والسلام منذ بعثته إلى وفاته بأربع مراحل:
المرحلة الأولى: الدعوة سراً واستمرت ثلاث سنوات المرحلة الثانية: الدعوة جهراً وباللسان فقط واستمرت الى الهجرة. المرحلة الثالثة: الدعوة جهرا مع قتال المعتدين والبادئين بالقتال أو الشر واستمرت هذه المرحلة إلى عام صلح الحديبية. المرحلة الرابعة: الدعوة جهراً مع قتال كل من وقف فى سبيل الدعوة أو أمتنع عن الدخول فى الإسلام – بعد فترة الدعوة والاعلام – من المشركين أو الوثنين. وكانت هذه المرحلة هى التى استقر عليها أمر الشريعة الإسلامية وقام عليها حكم الجهاد فى الإسلام.
كانت أول الناس إسلاما زوجته خديجة رضى الله عنها وإبن عمه على بن أبى طالب وفى حديث أن أبا بكر أول من أسلم من الأحرار مطلقا.
أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بدعوة قومه إلى الله وأول ما نزل بهذا الصدد قوله تعالى " وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ " الشعراء 214" وعن عائشة رضى الله عنها قالت: لما نزلت هذة الآية قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "يا فاطمة بنت محمد يا صفية بنت عبد المطلب يا بنى عبد المطلب لا أملك لكم من الله شيئا سلونى من مالى ما شئتم. قد فاصل رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه على دعوته وأوضح لأقرب الناس إليه إن التصديق بهذه الرسالة هو حياة الصلة بينه وبينهم وأن عصبية القرابة التى يقوم عليها العرب ذابت فى حرارة هذا الإنذار الآتى من عند الله.
لقد كان محمد عليه الصلاة والسلام كبير المنزلة فى بلده مرموقا بالثقة والمحبة وها هو ذا يوجه مكة بما تكره ويتعرض لخصام السفهاء والكبراء.
وكانت دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم لها أبعاد وتأثير قلبت حياة البشر رأسا على عقب ولم تكن تلك الدعوة تتناول عقيدتهم وحدها بل شملت حياتهم فى جميع مظاهرها فى السياسة وفى المال وفى البيت وغير ذلك ولم يكن طبيعيا ولا مألوفا أن ينكروا ما وجدوا عليه آباءهم وبلادهم طواعية فكان لابد لهم من التصدى لهذه الدعوة ومقاومة صاحبها.
ولم يكتف محمد صلى الله عليه وسلم بدعوته هذه التى كانت غريبة فى رأى القوم بل زاد عليها أن دعا إلى تحريم الخمر والزنا والميسر والربا وقريش لا تستغنى عن هذه الأربعة ففيها متعهم وفيها تفاخرهم وفيها غناهم وثروتهم.
ولم يكتف الرسول صلى الله عليه وسلم بالتوحيد والبعث وتحريم بعض ما طاب لنفوس القوم بل دعاهم إلى أمر غريب عليهم مستنكر لديهم ذلك هو حق المساواة بين السادة والعبيد ويجعل الناس سواسية كأسنان المشط وهم الذين قضوا أعمارهم فى التفاخر بالأحساب والأنساب ولم ترض قريش وانفجرت مكة بمشاعر الغضب وظلت عشرة أعوام تعد المسلمين عصاه ثائرين فزلزلت الأرض من تحت أقدامهم واستباحت فى الحرم الآمن دماءهم وأموالهم وأعراضهم قصد بذلك تخذيل المسلمين وتوهين قوامهم المعنوية.
فلما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرضيهم وان عمه أبا طالب قد حدب عليه وحماه ولم يسلمه مشى رجال من أشرافهم إلى أبى طالب فقالوا: يا أبا طالب أن إبن أخيك قد سب آلهتنا وعاب ديننا وسفه أحلامنا وضلل آباءنا فإما أن تكفه عنا وإما أن تخلى بيننا وبينه. فقال لهم أبو طالب قولا رفيقا وردهم ردا جميلا فانصرفوا عنه ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما هو عليه يُظهر دين الله وذهب الوفد مرة أخرى إلى أبى طالب ولما أخبر إبن أخيه بزيارة الوفد له قال عليه الصلاة والسلام "يا عم والله لو وضعوا الشمس فى يمينى والقمر فى يسارى على أن أترك هذا الأمر حتى يظُهره الله أو أهلك فيه ما تركته". موقف جليل لأبى طالب وقومه ولما علمت قريش أن أبا طالب قد أبى خذلان رسول الله صلى الله عليه وسلم مشوا إليه بعُمارة بن الوليد بن المغُيرة فقالوا له: يا أبا طالب هذا عُمارة بن الوليد أنهد فتى (أشد) فى قريش فخذه وأتخذه ولد فهو لك وأسلم إلينا أبن أخيك الذى قد خالف ديننا ودين آباءنا وسفه أحلامنا فنقتله فإنما هو رجل برجل فقال: والله لبئس ما تسوموننى (تكلفوننى) أتعطوننى إبنكم أغذوه لكم وأعطيكم إبنى تقتلونه؟ هذا والله ما لا يكون أبدا. قول الوليد بن المغُيرة فى القرآن كان الوليد بن المغُيرة ذا سن فى قومه واجتمع بهم وقال لهم يا معشر قريش إنه قد حضر موسم الحج وستقدم عليكم وفود العرب وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا فأجمعوا فيه رأيا واحدا ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا قالوا نقول كاهن قال والله ما هو بكاهن فقد رأيناهم وعرفناهم – قالوا فنقول مجنون قال ما هو بمجنون لقد رأينا المجنون وعرفناه – قالوا فنقول شاعر قال ما هو بشاعر لقد عرفنا الشعر كله فما هو بشاعر قالوا فنقول ساحر قال ما هو بساحر فقد رأينا السحرة وسحرهم قالوا فما نقول يا أبا عبد شمس؟ قال والله أن لقوله لحلاوة وإن عليه لطلاوة وما أنتم بقائلين مِنٌ هذا شيئا إلا عُرف إنه باطل وإن أقرب القول فيه لان تقولوا ساحر جاء بقول هو سحر يفرق بين المرء وأبيه وبين المرء وزوجه بذلك فجعلوا يجلسون بسبل وطرق الناس حين قدموا موسم أمره فأنزل الله تعالى فى الوليد بن المغُيرة وفى ذلك قوله تعالى " ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا* وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا " المدثر 11-16.
السمة الأولى: هى محاولة القضاء على الدعوة بشتى الأساليب. فلما رأت قريش أن محمدا صلى الله عليه وسلم لا يصرفه عن دعوته شىء. فكروا فى أساليب أخرى منها السخرية والتحقير والاستهزاء والتكذيب قاصدين بذلك تخذيل قوة المسلمين المعنوية فرموا النبى محمدا صلى الله عليه بتهم هازلة وشتائم سفيهة.
وروى البخارى إن إمرأة قالت للرسول محمدا صلى الله عليه ساخرة مستهزئة "إنى لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاثة" فأنزل الله تعالى سورة "وَالضُّحَى *وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى " الضحى 1-3 .
وقد بدأ المشركون يطلبون من النبى صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية أو معجزة وهم لا يقصدون بذلك إلا التعنت والعناد وإنهم لم يطلبوا ذلك رغبة فى الهدى والرشاد. عن أنس بن مالك رضى الله عنه إنه حدثهم أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم إنشقاق القمر.
السمة الثانية: كثرة الايذاء للنبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه ففى هذه المرحلة كان المسلمون يتعرضون لأشد أنواع الإيذاء من كفار قريش ومن صور هذه الإيذاءات:
إيذاء أبى جهل للنبى صلى الله عليه وسلم
وعن إبن عباس رضى الله عنهما قال "قال أبو جهل: لئن رأيت محمدا يصلى عند الكعبة لآتينه حتى أطأ على عنقه قال: فقال عليه السلام "لو فعل لآخذته الملائكة عيانا ولو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ورأوا مقاعدهم فى النار ولو خرج الذين يباهون رسول الله لرجعوا لا يجدون مالا ولا أهلا". وكان أبو لهب قد زوج ولديه عتبه وعتيبه ببنتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رقيه وأم كلثوم قبل البعثة فلما كانت البعثة أمرهما بتطليقهما بعنف وشدة حتى طلقاهما. وكانت إمرأة أبى لهب – أم جميل أروى بنت حرب بن أمية أخت أبى سفيان – لا تقل عن زوجها فى عداوة النبى صلى الله عليه وسلم فقد كانت تحمل الشوك وتضعه فى طريق النبى صلى الله عليه وسلم وعلى بابه ليلا وكانت امرأة سليطة اللسان تثير حربا شعواء على النبى صلى الله عليه وسلم ولذلك وصفها القرآن بحمالة الحطب ولما سمعت ما نزل فيها وفى زوجها من القرآن أتت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس فى المسجد عند الكعبة ومعه أبو بكر الصديق وفى يدها فهر (أى مقدار ملء الكف) من حجارة فلما وقفت عليهما أخذ الله ببصرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ترى إلا أبا بكر الصديق فقالت: يا أبا بكر أين صاحبك؟ قد بلغنى أنه يهجونى والله لو وجدته لضربت فاه (فمه) أما والله إنى لشاعرة ثم قالت شعرا تذم فيه صلى الله عليه وسلم ثم انصرفت فقال أبو بكر يا رسول الله أما تراها رأتك؟ فقال ما رأتنى لقد أخذ الله ببصرها عنى وكانت أم جميل عونا لزوجها على كفره وجحوده وعناده فلهذا تكون يوم القيامة عونا عليه فى عذابه فى نار جهم ولهذا قال تعالى " وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ " المسد 4-5 تحمل الحطب فتلقى على زوجها ليزداد على ما هو فيه وهى مهيأة لذلك مستعدة له.
محمد عبد الفتاح
عدد المساهمات : 364 تاريخ التسجيل : 01/01/2012 العمر : 48
موضوع: رد: زواج النبى صلى الله عليه وسلم من ام المؤمنين خديجة الجمعة 22 يونيو 2012 - 13:44
بارك الله فيك
احمد قاسم الشرفي
عدد المساهمات : 52 تاريخ التسجيل : 21/08/2012 العمر : 38
موضوع: رد: زواج النبى صلى الله عليه وسلم من ام المؤمنين خديجة الخميس 23 أغسطس 2012 - 10:10
موضوع أكثر من رائع
احمد قاسم الشرفي
عدد المساهمات : 52 تاريخ التسجيل : 21/08/2012 العمر : 38
موضوع: رد: زواج النبى صلى الله عليه وسلم من ام المؤمنين خديجة الخميس 23 أغسطس 2012 - 10:10
موضوع أكثر من رائع
احمد قاسم الشرفي
عدد المساهمات : 52 تاريخ التسجيل : 21/08/2012 العمر : 38
موضوع: رد: زواج النبى صلى الله عليه وسلم من ام المؤمنين خديجة الخميس 23 أغسطس 2012 - 10:11
موضوع أكثر من رائع
احمد قاسم الشرفي
عدد المساهمات : 52 تاريخ التسجيل : 21/08/2012 العمر : 38
موضوع: رد: زواج النبى صلى الله عليه وسلم من ام المؤمنين خديجة الخميس 23 أغسطس 2012 - 10:11
موضوع أكثر من رائع
احمد قاسم الشرفي
عدد المساهمات : 52 تاريخ التسجيل : 21/08/2012 العمر : 38
موضوع: رد: زواج النبى صلى الله عليه وسلم من ام المؤمنين خديجة الخميس 23 أغسطس 2012 - 10:11
[quote]موضوع أكثر من رائع
عبدالناصر خليفه
عدد المساهمات : 1401 تاريخ التسجيل : 17/08/2012 العمر : 63
موضوع: رد: زواج النبى صلى الله عليه وسلم من ام المؤمنين خديجة الخميس 30 أغسطس 2012 - 17:37
بارك الله فيك ازادك من علمة وعلمتة لنا بارك الله فيك ورضاك
عبدالناصر خليفه
عدد المساهمات : 1401 تاريخ التسجيل : 17/08/2012 العمر : 63
موضوع: رد: زواج النبى صلى الله عليه وسلم من ام المؤمنين خديجة الخميس 4 أكتوبر 2012 - 15:16