مصراوى سات
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مصراوى سات

جميع ما يطرح بالمنتدى لا يعبر عن رأي الاداره وانما يعبر عن رأي صاحبه فقط
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
                           مرحبا بك صديقنا زائر
مصراوى سات                                                                                                        آخر زيارة لك كانت الخميس 1 يناير 1970
عدد مساهماتك 5

 

 قصة يوسف ويعقوب عليهما السلام ؟

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
عبدالناصر خليفه

عبدالناصر خليفه


عدد المساهمات : 1401
تاريخ التسجيل : 17/08/2012
العمر : 63

قصة يوسف ويعقوب عليهما السلام ؟ Empty
مُساهمةموضوع: قصة يوسف ويعقوب عليهما السلام ؟   قصة يوسف ويعقوب عليهما السلام ؟ Emptyالثلاثاء 4 ديسمبر 2012 - 9:11

قصة يوسف ويعقوب عليهما الصلاة والسلام

السلام عليكم


هذه القصة من أعجب القصص ، وذكرها الله جميعا ، وأفردها بسورة مطولة مفصلة تفصيلا واضحا ، قراءتها تغني عن التفسير ، فإن الله ساق فيها حالة يوسف من ابتداء أمره إلى آخره ، وما بين ذلك من التنقلات واختلاف الأحوال ، وقال فيها :

لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين

فلنذكر ما يستنبط من هذه القصة العظيمة من الفوائد ، فنقول مستعينين بالله :

* ذكر ما فيها من الفوائد :

منها : أن هذه القصة من أحسن القصص وأوضحها ؛ لما فيها من أنواع - ص 272 - التنقلات من حال إلى حال ، ومن محنة إلى محنة ، ومن محنة إلى منحة ومنة ، ومن ذل إلى عز ، ومن أمن إلى خوف وبالعكس ، ومن ملك إلى رق وبالعكس ، ومن فرقة وشتات إلى انضمام وائتلاف وبالعكس ، ومن سرور إلى حزن وبالعكس ، ومن رخاء إلى جدب وبالعكس ، ومن ضيق إلى سعة وبالعكس ، ومن وصول إلى عواقب حميدة ، فتبارك من قصها وجعلها عبرة لأولي الألباب .

ومنها : ما فيها من أصول تعبير الرؤيا المناسبة ، وأن علم التعبير علم مهم يعطيه الله من يشاء من عباده ، وأن أغلب ما تبنى عليه المناسبات وضرب الأمثال والمشابهة في الصفات .

فوجه مناسبة رؤيا يوسف : أنه رأى الشمس والقمر والكواكب الأحد عشر ساجدين له ، أن هذه زينة للسماء ، وفيها منافعها ، فكذلك الأنبياء والعلماء والأصفياء زينة الأرض ، وبهم يهتدى في الظلمات كما يهتدى بالأنوار السماوية ، ولأن أباه وأمه أصل ، وإخوته فرع عنهما ، فمن المناسب أن يكون الأصل أعظم نورا وجرما من الفرع ، فلذلك كانت الشمس أمه أو أبوه ، والقمر الآخر منهما ، والكواكب إخوته ، ومن المناسب أن الساجد محترم لمن سجد له ، والمسجود له معظم محترم ، فدل ذلك على أن يوسف يصير معظما محترما لأبويه وإخوته ، ولا يتم هذا إلا بمقدمات تقتضي الوصول إلى هذا : من علوم وأعمال واجتباء من الله ، فلهذا قال :

وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك

ومنها : المناسبة في رؤيا الفتيين ، حيث عبر رؤيا من رأى أنه يعصر - ص 273 - خمرا أن الذي يعمل هذا العمل يكون في العادة خادما لغيره ، وأيضا العصر مقصود لغيره ، والخادم تابع لغيره ، ويؤول أيضا إلى السقي الذي هو خدمته ، فلذلك أوله بما يؤول إليه ، وأما تعبيره لرؤيا من رأى أنه يحمل فوق رأسه خبزا تأكل الطير منه ، بأنه يقتل ويصلب مدة حتى تأكل الطير من مخ رأسه الذي هو يحمل .

وعبر رؤيا الملك بالبقرات والسنبلات : بأنها السنين المخصبة والمجدبة ، ووجه المناسبة أن الملك به ترتبط أمور الرعية ومصالحها ، وبصلاحه تصلح ، وبفساده تفسد ، فهذه نسبته إذ رأى هو الرؤيا ، وكذلك السنون بخصبها وجدبها تنتظم أمور المعاش أو تختل ، والبقر هي آلة حرث الأرض واستخراج مغلها ، والمغل هو الزرع ، فرأى السبب والمسبب ، فرؤيته السبع السمان من البقر ثم السبع العجاف ، والسبع السنبلات الخضر ، ثم السبع اليابسات ، أي : لا بد أن تتقدم السبع السنين المخصبات ، ثم تتلوها المجدبات ، وتأكل ما حصل فيها من غلال ، ولا تبقي إلا شيئا يحصنونه عنها ، وإلا فهي بصدد أكلها كلها .

فإن قيل : من أين أخذ قوله :

ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون

فإن بعض المفسرين قال : هذه زيادة من يوسف في التعبير بوحي أوحي إليه .

فالجواب ليس الأمر كذلك ، وإنما أخذها من رؤيا الملك ، فإن السنين المجدبة سبع فقط ، فدل على أنه سيأتي بعدها عام الخصب ، كثير البركات ، يزيل الجدب العظيم الحاصل من السنين المجدبة التي لا يزيلها عام خصب - ص 274 - عادي ، بل لا بد فيه من خصب خلاف العادة ، وهذا واضح وهو من مفهوم العدد .

ومنها : ما فيها من الأدلة والبراهين على نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، حيث قص عليه هذه القصة المفصلة المبسوطة الموافقة للواقع التي أتت بالمقصود كله ، وهو لم يقرأ كتب الأولين ، ولا دارس أحدا كما هو معلوم لقومه ، وهو بنفسه أمي لا يقرأ ولا يكتب ، ولهذا قال :

ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون

ومنها : أنه ينبغي للعبد البعد عن أسباب الشر ، وكتمان ما تخشى مضرته ، لقول يعقوب ليوسف :

لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا

ومنها : ذكر الإنسان بما يكره على وجه الصدق والنصيحة له أو لغيره لقوله : فيكيدوا لك كيدا ومنها : أن نعمة الله على العبد نعمة على من يتعلق به ، ويتصل من أهل بيته وأقاربه وأصحابه ، فإنه لا بد أن يصلهم ويشملهم منها جانب لقوله :

ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب

أي : بما يحصل لك ؛ ولهذا لما تمت النعمة على يوسف حصل لآل يعقوب من العز والتمكن والسرور ، وزوال المكروه ، وحصول المحبوب ما ذكر الله في آخر القصة .

ومنها : أن النعم الكبيرة الدينية والدنيوية لا بد أن يتقدمها أسباب ووسائل إليها ؛ لأن الله حكيم ، وله سنن لا تتغير ، قضى بأن المطالب العالية لا - ص 275 - تنال إلا بالأسباب النافعة ، خصوصا العلوم النافعة ، وما يتفرع عنها من الأخلاق والأعمال ؛ فلهذا عرف يعقوب أن وصول يوسف إلى تلك الحالة التي يخضع له فيها أبوه وأمه وإخوته مقام عظيم ، ومرتبة عالية ، وأنه لا بد أن ييسر الله ليوسف من الوسائل ما يوصله إليها ، ولهذا قال : وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك

ومنها : أن العدل مطلوب في جميع الأمور الصغار والكبار في معاملة السلطان لرعيته ، ومعاملة الوالدين للأولاد ، والقيام بحقوق الزوجات ، وغير ذلك في المحبة والإيثار ونحوها ، وأن القيام بالعدل في ذلك تستقيم الأمور صغارها وكبارها به ، ويحصل للعبد ما أحب ، وفي الإخلال بذلك تفسد الأحوال ، ويحصل للعبد المكروه من حيث لا يشعر ؛ لهذا لما قدم يعقوب يوسف في المحبة ، وجعل وجهه له جرى منهم على أبيهم وأخيهم من المكروه ما جرى .

ومنها : الحذر من شؤم الذنوب ، فكم من ذنب واحد استتبع ذنوبا كثيرة ، وتسلسل الشر المؤسس على الذنب الأول ، وانظر إلى جرم إخوة يوسف ، فإنهم أرادوا التفريق بينه وبين أبيه الذي هو من أعظم الجرائم ، احتالوا على ذلك بعدة حيل ، وكذبوا عدة مرات ، وزوروا على أبيهم في القميص والدم الذي فيه ، وفي صفة حالهم حين أتوا عشاء يبكون ، ولا بد أن الكلام في هذه القضية تسلسل وتشعب ، بل ربما أنه اتصل إلى الاجتماع بيوسف ، وكلما بحث في هذا الموضوع فهو بحث كذب وزور مع استمرار أثر المصيبة على يعقوب ، بل وعلى يوسف ، فليحذر العبد من الذنوب ، خصوصا الذنوب المتسلسلة ، وضد ذلك بعض الطاعات تكون طاعة واحدة ، ولكن يتسلسل نفعها وبركتها حتى تستتبع طاعات من الفاعل - ص 276 - وغيره ، وهذا من أعظم آثار بركة الله للعبد في علمه وعمله .

ومنها : أن العبرة للعبد في حال كمال النهاية ، لا بنقص البداية ، فإن أولاد يعقوب عليهم السلام جرى منهم ما جرى في أول الأمر من الجرائم المتنوعة ، ثم انتهى أمرهم إلى التوبة النصوح ، والاعتراف التام ، والعفو التام عنهم من يوسف ومن أبيهم ، والدعاء لهم بالمغفرة والرحمة ، وإذا سمح العبد بحق فالله أولى بذلك وهو خير الراحمين الغافرين ، ولهذا في أصح الأقوال إن الله جعلهم أنبياء لمحو ما سبق منهم ، وكأنه ما كان ، ولقوله :

وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط

وهم أولاد يعقوب الاثنا عشر وذريتهم ، ومما يؤيد هذا أن في رؤيا يوسف أنهم هم الكواكب التي فيها النور والهداية ، وهي من صفات الأنبياء ، فإن لم يكونوا أنبياء فإنهم علماء عباد .

ومنها : ما من الله به على يوسف من العلم والحلم ، والأخلاق الكاملة ، والدعوة إلى الله وإلى دينه ، وعفوه عن إخوته الخاطئين عفوا بادرهم به ، وتمم ذلك بأن أخبرهم أنه لا يثرب عليهم بعد هذا العفو ، ثم بره العظيم بأبيه وأمه وإحسانه على إخوته ، وإحسانه على عموم الخلق ، كما هو بين في سيرته وقصته .

ومنها : أن بعض الشر أهون من بعض ، وارتكاب أخف الضررين أولى من ارتكاب أعظمهما ؛ فإن إخوة يوسف لما قالوا :

اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا

وقال قائل منهم :

- ص 277 - لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابت الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين

كان قوله أحسن منهم وأخف ، وبسببه خف عن إخوته الإثم الأكبر ، وهو من جملة الأسباب التي قدر الله ليوسف في وصوله إلى الغاية التي يريد .

ومنها : أن الشيء إذا تداولته الأيدي ، وصار من جملة الأموال ، ولم يعلم المعاملون أنه على غير وجه الشرع ، فلا إثم على من باشره ببيع أو شراء أو خدمة أو انتفاع أو استعمال ، فإن يوسف باعه إخوته بيعا محرما عليهم ، واشترته السيارة بناء على أنه عبد لإخوة يوسف البائعين ، ثم ذهبوا به إلى مصر فباعوه بها ، وبقي عند سيده غلاما رقيقا ، وسماه الله سيدا ، وكان عندهم بمنزلة الرقيق المكرم ، وسمى الله شراء السيارة وشراءه في مصر معاملة لما ذكرنا .

ومنها : الحذر من الخلوة بالنساء الأجنبيات ، وخصوصا اللاتي يخشى منهن الفتنة ، والحذر أيضا من المحبة التي يخشى ضررها ؛ فإن امرأة العزيز جرى منها ما جرى بسبب توحدها بيوسف ، وحبها الشديد له الذي ما تركها حتى راودته تلك المراودة ، ثم كذبت عليه فسجن ذلك السجن الطويل .

ومنها : أن الهم الذي هم به يوسف ثم تركه لله ولبرهان الإيمان الذي وضعه الله في قلبه مما يرقيه إلى الله زلفى ؛ لأن الهم داع من دواعي النفس الأمارة بالسوء ، وهو طبيعة طبع عليها الآدمي ، فإذا حصل الهم بالمعصية ولم يكن عند العبد ما يقاوم ذلك من الإيمان والخوف من الله وقع الذنب ، وإن كان العبد مؤمنا كامل الإيمان فإن الهم الطبيعي إذا قابله ذلك الإيمان الصحيح القوي منعه من ترتب أثره ، ولو كان الداعي قويا ، - ص 278 - ولهذا كان يوسف من أعلى هذا النوع ، قال تعالى :

لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين

لاستخلاص الله إياه ، وقوة إيمانه وإخلاصه ، خلصه الله من الوقوع في الذنب ، فكان ممن خاف مقام ربه ، ونهى النفس عن الهوى ، ومن أعلى السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، فذكر صلى الله عليه وسلم منهم رجلا دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال : إني أخاف الله ، فهمها لما كان لا معارض له استمرت في مراودته ، وهمه عارض عرض ، ثم زال في الحال ببرهان ربه .

ومنها : أن من دخل الإيمان قلبه استنار بمعرفة ربه ونور الإيمان به ، وكان مخلصا لله في كل أحواله ، فإن الله يدفع عنه ببرهان إيمانه وإخلاصه من أنواع السوء والفحشاء وأسباب المعاصي ما هو جزاء لإيمانه وإخلاصه ؛ لأن الله علل صرف هذه الأمور عن يوسف بقوله : إنه من عبادنا المخلصين على قراءة من قرأها بكسر اللام ، ومن قرأها بالفتح فإن من أخلصه الله واجتباه فلا بد أن يكون مخلصا ، فالمعنيان متلازمان .

ومنها : أنه ينبغي للعبد إذا ابتلي بالوقوع في محل فيه فتنة وأسباب معصية أن يفر ويهرب غاية ما يمكنه ؛ ليتمكن من التخلص من ذلك الشر ، كما فر يوسف هاربا للباب ، وهي تمسك بثوبه وهو مدبر عنها .

ومنها : أن القرائن يعمل بها عند الاشتباه في الدعاوى ، وذلك أن الشاهد الذي شهد أي : حكم على يوسف وعلى المرأة اعتبر القرينة فقال :

إن كان قميصه قد من قبل

إلى آخر القضية ، وصار حكمه هذا موافقا للصواب ، ومن القرائن - ص 279 - وجود الصواع في رحل الأخ ، وقد اعتبر هذا وهذا .

ومنها : ما عليه يوسف من الجمال الباهر ظاهرا وباطنا ، فإن جماله الظاهر أوجب لامرأة العزيز ما أوجب من الحب المفرط والمراودة المستمرة ، ولما لامها النساء دعتهن :

وأعتدت لهن متكأ وآتت كل واحدة منهن سكينا وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم

وأما جماله الباطن فهو العفة العظيمة منه مع وجود الدواعي الكثيرة لوقوع السوء منه ، ولكن الإيمان ونوره ، والإخلاص وقوته لا يشذ عنهما فضيلة ، ولا تجامعهما رذيلة ، وقد بينت امرأة العزيز للنساء من يوسف الأمرين ، فإنها لما أرتهن جماله الظاهر الذي اعترفن أن هذا الجمال لا يوجد في الآدميين قالت :

ولقد راودته عن نفسه فاستعصم

وقالت بعد ذلك : الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين

ومنها : أن يوسف صلى الله عليه وسلم اختار السجن على المعصية ، فهكذا إذا ابتلي العبد بأحد أمرين ، إما أن يلجأ إلى فعل المعصية ، وإما أن يعاقب عقوبة دنيوية ، فعليه أن يختار العقوبة الدنيوية التي فيها الثواب من هذا الوجه بعدة أمور : ثواب من جهة اختياره الإيمان على السلامة من العقوبة الدنيوية ، وثواب من جهة أن هذا من باب التخليص للمؤمن والتصفية ، وهو يدخل في الجهاد في سبيل الله ، وثواب من جهة المصيبة التي نالته والألم - ص 280 - الذي أصابه ، فسبحان من ينعم ببلائه ، ويلطف بأصفيائه ، وهذا أيضا عنوان الإيمان ، وعلامة السعادة .

ومنها : أنه ينبغي للعبد أن يلتجئ إلى ربه ، ويحتمي بحماه عند وجود أسباب المعصية ، ويتبرأ من حوله وقوته لقول يوسف :

وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين

فالعبد الموفق يستعين ربه على دفع المعاصي وأسبابها ، كما يستعين به عند فعل الطاعات والخيرات ، والله كافي المتوكلين .

ومنها : أن العلم والعقل الصحيح يدعوان صاحبهما إلى الخير ، وينهيانه عن الشر ، وأن الجهل يدعو صاحبه إلى ضد ذلك لقوله : أصب إليهن وأكن من الجاهلين أي : الجاهلين بالأمور الدينية ، والجاهلين بالحقائق النافعة والحقائق الضارة .

ومنها : أنه كما على العبد عبودية لربه في حال رخائه ، فعليه عبودية في حال الشدة ، فيوسف صلى الله عليه وسلم لم يزل يدعو إلى الله ، فلما دخل السجن استمر على ذلك ، ودعا من يتصل به من أهل السجن ، ودعا الفتيين إلى التوحيد ، ونهاهما عن الشرك ، ومن كمال رأيه وحكمته أنه لما رأى فيهما قابلية لدعوته حين احتاجا إليه في تعبير رؤياهما وقالا له :

إنا نراك من المحسنين

رأى ذلك فرصة ، فدعاهما إلى الله قبل أن يعبر رؤياهما ؛ ليكون أقرب إلى حصول المطلوب ، وبين لهما أن الذي أوصله إلى هذه الحال التي رأياه فيها من الكمال والعلم إيمانه وتوحيده وتركه لملة المشركين ، وهذا دعاء لهما بالحال ، ثم دعاهما بالمقال ، وبرهن لهما على حسن التوحيد ووجوبه ، - ص 281 - وعلى قبح الشرك وتحريمه .

ومنها : أنه يبدأ بالأهم فالأهم ، وأنه إذا سئل المفتي وكان السائل حاجته في غير سؤاله أشد أنه ينبغي له أن يعلمه ما يحتاج إليه قبل أن يجيب سؤاله ، فإن هذا علامة على نصح المعلم وفطنته وحسن إرشاده وتعليمه ؛ فإن يوسف لما سأله الفتيان عن رؤياهما ، وكانت حاجتهما إلى التوحيد والإيمان أعظم من كل شيء ، قدمها .

ومنها : أن من وقع في مكروه وشدة لا بأس أن يستعين بمن له قدرة على تخليصه بفعله ، أو الإخبار بحاله ، وأن هذا لا يكون نقصا ولا شكوى إلى المخلوق ممنوعة ، فإن هذا من الأمور العادية التي جرى العرف باستعانة الناس بعضهم ببعض فيها ، ولهذا قال يوسف للذي ظن أنه ناج منهما :

اذكرني عند ربك

ومنها : أنه يتعين على المعلم والداعي إلى الله استعمال الإخلاص التام في تعليمه ودعوته ، وأن لا يجعل ذلك وسيلة إلى معاوضة في مال أو جاه أو نفع ، وأن لا يمتنع من التعليم إذا لم يفعل السائل ما كلفه به المعلم ، فإن يوسف قد وصى أحد الفتيين أن يذكره عند ربه فلم يذكره ونسي ، فلما بدت حاجتهم إلى سؤال يوسف أرسلوا ذلك الفتى ، وجاءه سائلا مستفتيا عن تلك الرؤيا ، فلم يعنفه يوسف ولا وبخه ، بل ولا قال له : لم لم تذكرني عند ربك ؟ وأجابه جوابا تاما من جميع الوجوه .

ومنها : أنه ينبغي للمسؤول إذا أجاب السؤال أن يدل السائل على الأمر الذي ينفعه مما يتعلق بسؤاله ، ويرشده إلى الطريق التي ينتفع بها في دينه ودنياه ، فإن هذا من كمال نصحه ، وجزالة رأيه ، وحسن إرشاده ؛ فإن - ص 282 - يوسف لم يقتصر على تعبير رؤيا الملك ، بل دلهم مع ذلك ، وأشار عليهم بما يصنعونه في تلك السنين المخصبات من الإكثار من الزراعة ، وحسن الحفظ والجباية .

ومنها : أنه لا يلام العبد على دفع التهمة عن نفسه ، بل ذلك مطلوب كما امتنع يوسف من الخروج من السجن حتى تتبين لهم براءته مع النسوة اللاتي قطعن أيديهن .

ومنها : فضيلة العلم ، علم الشرع والأحكام ، وعلم تعبير الرؤيا ، وعلم التدبير والتربية ، وعلم السياسة ، فإن يوسف صلى الله عليه وسلم إنما حصلت له الرفعة في الدنيا والآخرة بسبب علمه المتنوع ، وفيه أن علم التعبير داخل في الفتوى ، فلا يحل لأحد أن يجزم بالتعبير قبل أن يعرف ذلك ، كما ليس له أن يفتي في الأحكام بغير علم ؛ لأن الله سماها فتوى في هذه السورة .

ومنها : أنه لا بأس أن يخبر الإنسان عما في نفسه من الصفات الكاملة ، من العلم وغيره ، إذا كان في ذلك مصلحة وسلم من الكذب ، ولم يقصد به الرياء ، لقول يوسف :

قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم

وكذلك لا تذم الولاية إذا كان المتولي لها يقوم بما يقدر عليه من إقامة الشرع ، وإيصال الحقوق إلى أهلها ، وأنه لا بأس بطلبها إذا كان أهلا ، وأعظم كفاءة من غيره ، وإنما المذموم إذا لم يكن فيه كفاءة ، أو كان موجودا من هو أمثل منه أو مثله ، أو لم يرد بها إقامة أمر الله بل أراد الترؤس والمأكلة المالية .

ومنها : أن الله واسع الجود والكرم ، يجود على عبده بخير الدنيا - ص 283 - والآخرة ، وأن خير الآخرة له سببان لا ثالث لهما : الإيمان بكل ما أوجب الله الإيمان به ، والتقوى التي هي امتثال الأوامر الشرعية واجتناب النواهي ، وأن خير الآخرة خير من ثواب الدنيا وملكها ، وأنه ينبغي للعبد أن يدعو نفسه ويشوقها لثواب الله ، ولا يدعها تحزن إذا رأت لذات الدنيا ورياساتها وهي عاجزة عنها ، بل يسليها بالثواب الأخروي ليخف عليها عدم حصول الدنيا ، لقول يوسف :

ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون

ومنها : أن جباية الأرزاق إذا أريد بها التوسعة على الناس من غير ضرر يلحقهم لا بأس به ، بل ذلك مطلوب ؛ لأن يوسف أمرهم بجباية الأرزاق والأطعمة في السنين المخصبات للاستعداد به للسنين المجدبات ، وقد حصل به الخير الكثير .

ومنها : حسن تدبير يوسف لما تولى خزائن الديار المصرية من أقصاها إلى أقصاها ، فنهض بالزراعة حتى كثرت الغلال جدا ، فصار أهل الأقطار يقصدون مصر لطلب الميرة منها عندما فقدوا ما عندهم ؛ لعلمهم بوفورها في مصر ، ومن عدله وتدبيره وخوفه أن يتلاعب بها التجار أنه لا يكيل لأحد إلا مقدار الحاجة الخاصة أو أقل ، لا يزيد كل قادم على كيل بعير وحمله ، وظاهر حاله هذا أنه لا يعطي أهل البلد إلا أقل من ذلك بكثير لحضورهم عنده .

ومنها : مشروعية الضيافة ، وأنها من سنن المرسلين ، وإكرام الضيف ، لقول يوسف :

ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين

- ص 284 - ومنها : أن سوء الظن مع وجود القرائن الدالة عليه غير ممنوع ولا محرم ؛ فإن يعقوب قال لأولاده :

هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل

وقال : بل سولت لكم أنفسكم أمرا

فهم في الأخيرة ، وإن لم يكونوا مفرطين ، فقد جرى منهم ما أوجب لأبيهم أن يقول ما قال من غير لوم عليه .

ومنها : أن استعمال الأسباب الدافعة للعين وغيرها من المكاره ، أو الرافعة لها بعد نزولها غير ممنوع ، وإن كان لا يقع شيء إلا بقضاء الله وقدره ، فإن الأسباب أيضا من القضاء والقدر ؛ لقول يعقوب :

يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة

ومنها : جواز استعمال الحيل والمكايد التي يتوصل بها إلى الحقوق ، وأن العلم بالطرق الخفية الموصلة إلى مقاصدها مما يحمد عليه العبد ، وأما الحيل التي يراد بها إسقاط واجب أو فعل محرم فإنها محرمة غير نافذة .

ومنها : أنه ينبغي لمن أراد أن يوهم غيره بأمر لا يحب بيانه له أن يستعمل المعاريض القولية والفعلية المانعة له من الكذب ، كما فعل يوسف حين ألقى الصواع في رحل أخيه ، ثم استخرجها معه موهما أنه سارق ، وليس في ذلك تصريح بسرقته ، وإنما استعمل المعاريض ، ومثل هذا قوله :

معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده

ولم يقل : من سرق متاعنا .

ومنها : أنه لا يجوز أن يشهد إلا بما علمه ، وتحققه برؤية أو سماع لقولهم : وما شهدنا إلا بما علمنا

- ص 285 - وقوله : إلا من شهد بالحق وهم يعلمون

ومنها : هذه المحنة العظيمة التي امتحن الله بها نبيه وصفيه يعقوب عليه السلام ، إذ قضى بالتفريق بينه وبين ابنه يوسف الذي لا يقدر على فراقه ساعة واحدة ، ويحزنه أشد الحزن ، فتم لهذه الفرقة مدة طويلة ويعقوب لم يفارق الحزن قلبه ، وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ، ثم ازداد به الأمر حين اتصل فراق الابن الثاني بالأول ، وهو في ذلك صابر لأمر الله ، محتسب الأجر من الله ، وقد وعد من نفسه الصبر الجميل ، ولا ريب أنه وفى بما وعد به ، ولا ينافي ذلك قوله :

إنما أشكو بثي وحزني إلى الله

فإن الشكوى إلى الله لا تنافي الصبر ، وإنما الذي ينافيه الشكوى إلى المخلوقين ، ولا ريب أن الله رفعه بهذه المحنة درجات عالية ومقامات سامية ، لا تنال إلا بمثل هذه الأمور .

ومنها : أن الفرج مع اشتداد الكرب ، فإنه لما تراكمت الشدائد المتنوعة ، وضاق العبد ذرعا بحملها ، فرجها فارج الهم ، كاشف الغم ، مجيب دعوة المضطرين ، وهذه عوائده الجميلة ، خصوصا لأوليائه وأصفيائه ، ليكون لذلك الوقع الأكبر ، والمحل الأعظم ، وليجعل من المعرفة بالله والمحبة له ما يوازن ويرجح بما جرى على العبد بلا نسبة .

ومنها : جواز إخبار العبد بما يجد ، وما هو فيه من مرض أو فقر غيرهما على غير وجه التسخط ، لقول يعقوب :

يا أسفى على يوسف

وقول إخوة يوسف : مسنا وأهلنا الضر - ص 286 - وأقرهم يوسف . ومنها : فضيلة التقوى والصبر ، وأن كل خير في الدنيا والآخرة فمن آثار التقوى والصبر ، وأن عاقبة أهلهما أحسن العواقب لقوله : قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ومنها : أنه ينبغي للعبد إذا أنعم عليه بنعمة بعد ضدها أن يتذكر الحالة السابقة ؛ ليعظم وقع هذه النعمة الحاضرة ، ويكثر شكره لله تعالى ، ولهذا قال يوسف : وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي ومنها : ما في هذه القصة من الألطاف المتنوعة المسهلة للبلاء : منها رؤيا يوسف السابقة ؛ فإن فيها روحا ولطفا بيوسف وبيعقوب ، وبشارة بالوصول إلى تأويلها ، ولطف الله بيوسف إذ أوحى إليه وهو في الجب لتنبئنهم بأمرهم هذا ، وهم لا يشعرون ، وتنقلاته من حال إلى حال ، فإن فيها ألطافا ظاهرة وخفية ؛ ولهذا قال في آخر الأمر : إن ربي لطيف لما يشاء يلطف به في أحواله الداخلية ، ويلطف له في الأمور الخارجية ، ويوصله إلى أعلى المطالب من حيث لا يشعر . ومنها : أنه ينبغي للعبد أن يلح دائما على ربه في تثبيت إيمانه ، وأن يحسن له الخاتمة ، وأن يجعل خير أيامه آخرها ، وخير أعماله خواتمها ، فإن الله كريم جواد رحيم .

تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير الأحكام



لاتنسونا بصالح الدعوات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سينا

سينا


عدد المساهمات : 2698
تاريخ التسجيل : 14/12/2011
الموقع : مصراوى سات

قصة يوسف ويعقوب عليهما السلام ؟ Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة يوسف ويعقوب عليهما السلام ؟   قصة يوسف ويعقوب عليهما السلام ؟ Emptyالأربعاء 5 ديسمبر 2012 - 9:01

بارك الله فيك

جزاك الله كل خيرا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قصة يوسف ويعقوب عليهما السلام ؟
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» قصة سيدنا :يوسف علية السلام؟
» متابعــــة : ترددات قناتي "العربية" و"الجزيرة" بعد التشويش عليهما
»  صاحبتا محل ملابس بالفيوم تتهمان ضابط شرطة بالتعدي عليهما بالضرب
» فيريال يوسف 2012
» بانفراد لقاء باسم يوسف مع خيرى رمضان على سى بى سى

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مصراوى سات :: المنتديات الأسلامية :: المنتدى الأسلامى العام-
انتقل الى:  







____________________________________


مصراوى سات
الكنز المصرى الفضائى الذى تم اكتشافه عام 2004 ليتربع على عرش الفضائيات فى العالم العربى